السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخلاص و المعوذتين للإمام محمد بن عبد الوهاب
تفسيـر سـورة الإخـلاص
قال رحمه الله تعالى في تفسير سورة الإخلاص: عن عبد الله بن حبيب قال: ( خرجنا في ليلة ممطرة فطلبت النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا فأدركناه، فقال: قل، فلم أقل شيئا، قال: قلت يا رسول الله ما أقول ؟ قال: ﴿ قل هو الله أحد ﴾ و المعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك كل شيء ) قال الترمذي حديث حسن صحيح.
والأحد الذي لا نظير له، والصمد الذي تصمد الخلائق كلها إليه في جميع الحاجات، وهو الكامل في صفات السؤدد.
فقوله ﴿ أحد ﴾ نفي النظير والأمثال، وقوله ﴿ الصمد ﴾ إثبات صفات الكمال، وقوله ﴿ لم يلد ولم يولد ﴾ نفي للصاحبة والعيال، ﴿ ولم يكن له كفوا أحد ﴾ نفي الشركاء لذي الجلال.
تفسيـر سـورة الفلـق
قال رحمه الله في تفسير سورة الفلق: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفثت في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد ﴾.
فمعنى ﴿ أعوذ ﴾: أعتصم والتجي ء وأتحرز، وتضمنت هذه الكلمة مستعاذا به ومستعاذا منه ومستعيذا. فأما المستعاذ به: فهو الله وحده رب الفلق الذي لا يستعاذ إلا به.
وقد أخبر الله عمن استعاذ بخلقه، أن استعاذته زادنه رهقا ( وهو الطغيان )، فقال: ﴿ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهق ﴾ [الجن].
و ﴿ الفلق ﴾: هو بياض الصبح، إذا انفلق من الليل، وهو من أعظم آيات الله الدالة على وحدانيته.
وأما المستعيذ: فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من اتبعه إلى يوم القيامة.
وأما المستعاذ منه فهو أربعة أنواع:
الأول: قوله: ﴿ من شر ما خلق ﴾ وهذا يعم شرور الأولى والآخرة، وشرور الدين والدنيا.
الثاني: قوله: ﴿ ومن شر غاسق إذا وقب ﴾ والغاسق: الليل، إذا وقب: أي أظلم ودخل في كل شيء، وهو محل تسلط الأرواح الخبيثة.
الثالث: قوله: ﴿ ومن شر النفثت في العقد ﴾ وهذا من شر السحر، فإن النفاثات: السواحر التي يعقدن الخيوط وينفثن على كل عقدة حتى ينعقد ما يردن من السحر، والنفاثات: مؤنث، أي الأرواح والأنفس، لأن تأثير السحر إنما هو من جهة الأنفس الخبيثة.
الرابع: قوله: ﴿ ومن شر حاسد إذا حسد ﴾ وهذا يعم إبليس وذريته لأنهم أعظم الحساد لبني آدم أيضا. وقوله: ﴿ إذا حسد ﴾ لأن الحاسد إذا
أخفى الحسد ولم يعامل أخاه إلا بما يحبه الله، لم يضر المحسود.
تفسيـر سـورة النـاس
قال رحمه الله في تفسير سورة الناس: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس ﴾.
قوله: ﴿ قل أعوذ برب الناس ﴾ فقد تضمنت أيضا ذكر ثلاثة:
الأول: الإستعاذة وقد تقدمت.
الثاني: المستعاذ به.
الثالث: المستعاذ منه.
فأما المستعاذ به: فهو الله وحده لا شريك له رب الناس الذي رزقهم ودبرهم، وأوصل إليهم مصالحهم ومنع عنهم مضارهم.
﴿ ملك الناس ﴾ أي المتصرف فيهم وهم عبيده ومما ليكه، المدبر لهم كما يشاء، الذي له القدرة والسلطان عليهم، فليس لهم ملك يهربون إليه إذا دهمهم أمره، يخفض ويرفع ويصل ويقطع ويعطي ويمنع.
﴿ إله الناس ﴾ أي معبودهم الذي لا معبود لهم غيره، فلا يدعى ولا يرجى ولا يخلق إلا هو، فخلقهم وصورهم وأنعم عليهم وحماهم مما يضرهم بربوبيته، وقهرهم وأمرهم ونهاهم، وصرفهم كما يشاء بملكه، واستعبدهم بالهيبة الجامعة لصفات الكمال كلها.
وأما المستعاذ منه: فهو الوسواس، وهو الخفي الإلقاء في النفس.
وأما الخناس: فهو الذي يخنس ويتأخر ويختفي، وأصل الخنوس: الرجوع إلى الوراء، وهذان وصفان لموصوف محذوف وهو: الشيطان، وذلك أن العبد إذا غفل جثم على قلبه وبذل فيه الوساوس التي هي أصل الشر، فإذا ذكر العبد ربه واستعاذ به خنس.
قال قتادة: (الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب، فإذا ذكر العبد ربه خنس). ويقال رأس كرأس الحبة يضعه على ثمرة القلب ويمنيه ويحدثه، فإذا ذكر الله خنس، وجاء بناؤه على الفعال الذي يتكرر منه، فإنه كلما ذكر الله انخنس، وإذا غفل عاد.
وقوله: ﴿ من الجنة والناس ﴾: يعني أن الوسواس نوعان: إنس وجن، فإن الوسوسة: الإلقاء الخفي، لكن إلقاء الإنس بواسطة الأذن، والجني لا يحتاج إليها، ونظير اشتراكهما في الوسوسة اشتراكهما في الوحي الشيطاني في قوله: ﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ﴾ [الأنعام].
والله أعلم، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.